أهم نقطة يجب أن نفهمها و نؤمن بها قبل تحريك القلم.. أن الهدف من وراء نشر القصائد و الخواطر هو ملامسة احساس القارئ..
ان كان ما تكتبه لا يبث في متذوقين الأدب احساساً .. ولا يشعل بداخل القراء شرارة .. فكل ما تكتبه خاوِ لا معنى له..
و بالتأكيد فأننا لا نستطيع أن نجزم ان كان ما نكتب يلامس الاحساس أم لا.. لكن هناك نقطتان احب اثارتهما هنا لأني أرى الكثير من الاخطاء التي يقع بها البعض:
1- ما قل ...... و دل
يقوم البعض بكتابة اسطر و اسطر و اسطر في الخاطرة الواحدة... و ينسق البيت خلف البيت في القصيدة ... لكنه يدور و يدور خلف نفس الموضوع .. ويكرر المعنى بتغيير الألفاظ.... زمن المعلقات ولّى... لذا علينا أن نحاول أن نصل للهدف بأقل عدد من الكلمات حتى لا يصيب القارئ الملل..و خاااااصة في كتابة الخواطر...
مثال:
يقول نزار قباني في (حارقة روما)
كفي عن الكلام يا ثرثارة
كفي عن المشي على أعصابي المنهارة
ماذا اسمي كل ما فعلته
ساديه .. نفعيه
قرصنه .. حقارة
ماذا اسمي كل ما فعلته ؟
يا من مزجت الحب بالتجارة
والطهر بالدعارة
ماذا اسمي كل مافعلته ؟
فإنني لا أجد العبارة
أحرقت روما كلها
لتشعلي سيجاره
هنا انتهت القصيدة.. وهي من اشهر قصائد نزار قباني ولم تتجاوز البضعه اسطر...و هنا يكمن الابداع في الايجاز
2- الكتابة ليست استعراضاً لعضلاتنا اللغوية
نحن نكتب حتى نوصل للآخرين احساساً معين.. لا لنعلمهم بأننا نتقن الكثير من المرادفات اللتي لا يتقنها غيرنا...
فاستخدام كلمات غريبة مبهمة في غير موضعها ليس شطارة .. بل مصيبة .. خاصة اذا كنا لا ندرك المعنى الحقيقي لمرادفاتنا و تعرضنا للانتقاد... ففي ذلك الوقت سيبدو الكاتب بعكس ما كان يرغب في اظهاره... فسيكون كمن لا يفهم ما يقول... هذا لا يعني ان لا نستخدم أي كلمة غريبة ..بالعكس فمن المفيد أن نستخدم كلمات جديدة قد لا تخطر علي بال القارئ مع مراعاة شرطين مهمين 1- ان تكون الكلمة مفهومة ... أي لا تكون كلمة يحتاج القارئ بها لمعجم (هذا لو كان الكاتب يدرك المعنى) 2- أن تخدم المعنى بوضوح فلا يجتهد القارئ في تفسير المقصود من استخدامها...
3- عدم التفرع في الفكرة و التركيز على الغرض
من الملاحظات اللتي نجدها في الكثير من الخواطر او القصائد تعدد الفكرة ... أي أن نبدأ بالحديث عن الهجر ثم الخيانه ..ثم عن عمق الحب ... ثم نعود للخيانه... ثم لوعه الفراق....... حتى أننا نرى الكثير ممن يذم و يمدح و يهجو و يشتاق في قصيدة واحدة ...
كل هذا يشتت القارئ عن الغرض من العمل الأدبي...
4- مراعاة التنسيق و الوزن
هذا موضوع شاسع يحتاج لخبرة و خاصة فيما يتعلق بالشعر ..لكن بشكل عام فأن صاحب المهارة في تذوق الشعر يميز الكسر .. و من المفيد جداً أن تقرأ ما كتبت بعد الانهاء منه بسرعه متوسطة حتى تتمكن من استخراج أي كسر في الوزن..
اما فيما يتعلق بالخاطرة فلا أعلم إن كانت هناك شروط للوزن ..لكن يستحب تقطيع الجمل لعبارات قصيرة متناسقة الوزن و فردها عمودياً بدل رصها و الاكتفاء بالنقاط بينها...
5- براعه التشبيه..
1- اما ان يكون التشبيه سريعا بسيطاً مثل الاستعارة (ذكر وجه الشبه مع اسقاط المشبه به) مثل لحن الحب و هنا نراعي أن نوصل فكرة التشبيه للقارئ بدل تكه يخمن العلاقة بين المشبه و المشبه به
2- تشبيه أكثر طولاً لاعطاء صورة أشمل مثل: تشبيه الحب بالبحر و المحب بالزورق و الحبيب بالمنارة ..الخ و هنا يجب أن ندمج بين المشبه و الصورة المشبه بها بدل الاستطراد في الوصف..
مثال سيء للوصف:في عالمه هي..
عابرة سبيل
ملقاه في كوكبه صدفة
تسير بين تضاريس عالمه
تستلقي فوق مروجه
تغسل قلبها بنور شمسه
تتمشى بين سهوله و فوق رباه
تسابق فراشاته
و تصنع من زهوره إكليلاً تضعه فوق رأسها
كتبت هذه الخاطرة و الآن أرى أن الجزء الأول منها أشبه بوصف جغرافي .. و بأنني بالرغم من فهمي الشخصي للفكرة فشلت في تقديمها بالصورة المثلى التي يسهل على القارئ فهمها... و لا أرى بها ابداع
أما القسم الأخير منها فيبدو أفضل..
عشقها
هزّه أرضيه
حدث ينسف تاريخه و يلقي به في الظلام
يحطّم آثاره العتيقة و يسحق أطلال أي امرأة غيرها
حبها
يتوجها على ماضيه..حاضره..و مستقبله
و ما يجعله أفضل هو الدمج بين المشه و المشبه به بدل الاكتفاء بالوصف..
في النهاية فأن البراعه في الدمج بين الاحساس و المعنى مع اللفظ و التنسيق سينتج عنه عمل يستحق أن يقال عنه مبدع...